كثثيرون أزعجتهم الصورة التي ينحني فيها طبيب شهير وهو يقوم بتقبيل يد امبراطور الثروة والإعلام في مصر، لكن قليلون من يعلمون أن محمد أبو العينين، رجل الأعمال والسياسي البارز، جمع ثروته الضخمة من خلال علاقاته الوثيقة بالنظام السابق في عهد الرئيس حسني مبارك. واستطاع عبر شبكة واسعة من النفوذ أن يحصل على آلاف الأفدنة من أراضي الدولة بأسعار زهيدة، ليستخدمها في مشروعات بعضها بهدف التنمية وبعضها الآخر بهدف التربح وتسقيع الأراضي. هذا التقرير يكشف تفاصيل الاستحواذ غير العنيف على الأراضي، والمخالفات التي أظهرتها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات على مدار السنوات.
الاستحواذ على أراضي الدولة: تاريخ من المخالفات
10 آلاف فدان في شرق العوينات: تاريخ سابق على التخصيص
كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن شركة "كليوباترا جروب"، المملوكة لأبو العينين، حصلت على قطعة أرض مساحتها 10 آلاف فدان في شرق العوينات بموجب عقد بيع ابتدائي بتاريخ 20 أبريل 1999. لكن اللافت أن الأرض تم تسليمها فعليًا في 30 يونيو 1998، أي قبل توقيع العقد الرسمي، وهو ما يشير إلى تجاوزات واضحة وتلاعب في الإجراءات.
5000 فدان في سهل الطينة و20 كيلومترًا بخليج السويس
حصل أبو العينين على أراضٍ في سهل الطينة وخليج السويس بسعر زهيد للغاية بلغ 5 جنيهات للمتر. هذه الأراضي تم تسقيعها وإعادة بيعها لاحقًا بأسعار مضاعفة، مما حقق له أرباحًا خيالية على حساب المال العام.
1500 فدان في مرسى علم: بيع للكويتي الخرافي
في صفقة أخرى، حصل أبو العينين على أراضٍ في مرسى علم، وقام ببيعها لرجل الأعمال الكويتي ناصر الخرافي، مستفيدًا من الفروق الشاسعة بين أسعار التخصيص وأسعار السوق.
مئات الأفدنة في المدن الجديدة والحزام الأخضر
استفاد أبو العينين من نفوذه فحصل على مئات الأفدنة في مدينة 6 أكتوبر والحزام الأخضر، حيث تم تخصيص الأراضي تحت غطاء مشروعات تنموية دون الالتزام بالشروط أو المدد الزمنية المطلوبة لتنفيذ المشروعات.
الفيلات الفاخرة على شواطئ مارينا
أظهرت التقارير تخصيص 8 فيلات في مارينا لأبو العينين وأفراد من عائلته
- تم تخصيص 4 فيلات بشكل مباشر لمحمد أبو العينين.
- تنازل عن فيلتين لأختيه، فيروز وعائشة، وخصصت فيلتان أخريان من شركة سيراميكا كليوباترا لعائشة أبو العينين، وهو ما يتعارض مع اللائحة العقارية التي تحدد الانتفاع بوحدة واحدة فقط للشخص الطبيعي وأسرته.
مخالفات قانونية جسيمة
تخصيص مباشر مخالف للقانون:
في مدينة الشيخ زايد، تم تخصيص قطعة أرض بمساحة 57,665 متر مربع لشركة الدورادو لصناعة السيراميك التابعة لأبو العينين في عام 2005 بالأمر المباشر، بالمخالفة للمادة (30) من قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998.
تجاوزات في تنفيذ المشروعات:
- لم يلتزم أبو العينين بتنفيذ المشروعات في المدد الزمنية المحددة، مما يخالف المادة (16) من عقود البيع الابتدائية.
- مشروع شركة سيراميكا كليوباترا في المنطقة الصناعية لم يُنفذ رغم مرور أكثر من 3 سنوات على تخصيص الأرض.
مكاسب الحصانة البرلمانية:
استفاد أبو العينين من كونه عضوًا في مجلس الشعب لتمرير عقود التخصيص والحصول على تسهيلات استثنائية، ما يعد
تجاوزًا لمبدأ تكافؤ الفرص وإضرارًا بالمال العام.
دور الجهات الرقابية في كشف المخالفات
تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات لعام 2009 ألقى الضوء على المخالفات الجسيمة التي ارتكبها أبو العينين، ومنها:
- حصوله على الأراضي بأسعار رمزية، دون الالتزام بإجراءات قانونية واضحة.
- استخدام الأراضي المخصصة لأغراض زراعية أو صناعية في مشروعات عقارية وتجارية لتحقيق أرباح طائلة.
- تسليم الأراضي قبل توقيع العقود الرسمية، مما يعكس استغلالًا سافرًا للنفوذ وتلاعبًا إداريًا.
مخالفات تستدعي المحاسبة
التقديرات تشير إلى أن الأراضي التي حصل عليها أبو العينين كانت تساوي أضعاف الأسعار التي تم تخصيصها بها، مما تسبب في خسائر ضخمة للدولة. من بيع الأراضي والعقارات التي حصل عليها بأثمان بخسة بأسعار السوق المرتفعة التي كان يجب للدولة أن تحصل عليها ما يُعد استغلالًا واضحًا للموارد العامة.
تقاعس أبو العينين عن تنفيذ المشروعات التي تعهد بها، سواء كانت زراعية، صناعية، أو سياحية، أدى إلى تعطيل التنمية وإهدار فرص اقتصادي لسنوات طويلة وقتها.
بعد سنوات من التجاوزات،مثل محمد أبو العينين أمام هيئة الكسب غير المشروع، في تحقيق أداره المستشار يوسف عثمان، وكان ينظر إلى هذا التحقيق ببصيص أمل في ملاحقة و محاسبة المتورطين، في محاولة لاستعادة حقوق الشعب والأراضي التي تم الاستيلاء عليها بطرق غير قانونية. لكن لم يحدث شيء.
محمد أبو العينين يمثل نموذجًا للتربح الذي استفاد من تداخل المال والسياسة في عهد مبارك. استغلاله للنفوذ للحصول على أراضٍ وأملاك الدولة بأسعار رمزية، ثم التربح منها دون رقابة، يجب أن يكون دافعًا لتطبيق العدالة بكل حزم.
يبقى السؤال: بعد 14 عامًا من سقوط نظام مبارك هل ستتمكن الدولة من استعادة حقوقها ومحاسبة المتورطين، أم أن نفوذ المال سيظل فوق القانون؟